أثار عرض المسلسل التركي "نور" جدلا واسعا في الأوساط الفنية والشعبية في العالم العربي ما بين مؤيد ومعارض خاصة بعد فتوي سعودية تحرم مشاهدة المسلسل وتصف المحطات التليفزيونية التي تذيع المسلسل بأنها "تحارب الله ورسوله".
بطلا المسلسل هما الممثلة التركية سونجول أودان "نور" وكيفانتش تاتليتوج "مهند" وبالرغم من النجاح الكبير في العالم العربي للمسلسل إلا أنه لم يحقق النجاح نفسه في تركيا.
وقد شاهد المسلسل حوالي أربعة ملايين مشاهد عربي وفقا لإحصاءات أطلقتها مجموعة mbc التي عرضت المسلسل.
وحدثت بعض حالات الطلاق بسبب هذا المسلسل اذ سجلت الأردن أول حالة طلاق بسبب الدراما التركية بعد قيام زوجة بوضع صورة مهند على هاتفها المحمول.
بل والطريف ان سيدة سعودية تملك مزرعة باعت قطيع ماشيتها كله، حتى لا يتشتت انتباهها عن متابعته.
وتدور أحدات المسلسل في مدينة إسطنبول، اذ بعد موت نهال حبيبة مهند، يحزن عليها حزنا شديدا لأن نهال ماتت وفي بطنها ابنه.
ويقوم جد مهند بتزويجه بنور البنت الريفية والتي أحبته في طفولتها وفي ليلة الزفاف يهرب مهند لتذكره لنهال، لكنه يعود بعد فترة.
ومع الوقت يبدأ مهند في التقرب من نور ويخفي حبه وإعجابه بها، وتتوالي الأحداث الدرامية والمواقف الرومانسية إلي ان تعود نهال التي يكتشف انها لم تمت في الحادث وتقع مشاكل بين نور ومهند تصل إلى الطلاق.
حالة الجدل الشديد حول المسلسل ومتابعته من جانب ملايين المشاهدين وغالبيتهم من النساء والفتيات تثير ملاحظتين أولهما انه أعاد من جديد الجدل الأزلي حول علاقة الفن بالدين خاصة بعد الفتوى السعودية التي حرمت مشاهدة المسلسل في مجتمعات عربية إسلامية منفتحة علي الغرب.
وفي الواقع فإن مرد هذا الجدل هو ان المجتمعات العربية والإسلامية التي تعيش حالة غريبة من التناقض بين ثوابت وقيم دينية وأخلاقية وانفتاح واستهلاك لكل ما ينتجه الغرب في ذات الوقت الذي تختلف منظومته بشكل كبير عنها.
ورغم أننا نتمسك بما نمارسه من طقوس دينية إلا إننا في نفس الوقت قد ننهل من هذه المنظومة ما يختلف جزئيا أو كليا عن قيمنا وثوابتنا فتحدث حالة من التوتر والتناقض التي تكشف في الواقع عن عدم وجود هوية واضحة والفن بلا شك ابرز المجالات التي تكشف عن هذا التناقض وما يثيره من جدل عندما يصطدم مع الدين.
وهنا تبرز ثلاثة اتجاهات فهناك من يقف إلي جانب الفن كليا ويرفض وضع أية قيود دينية بدعوي حرية التعبير وهو هنا في الواقع يكون قد رفض الدين تماما رغم ظنه وزعمه بغير ذلك.
والاتجاه الأخر الذي يصفه البعض بالمتشدد هو الذي يرفض أي خروج علي القواعد الأصيلة للدين والثوابت تحت أي مسمي وبالتالي يرفض أي نوع من الفن يظهر مظاهر وعادات غربية تعتبر محرمة دينيا وهو ما تتبناه الفتوى السعودية.
أما الاتجاه التوفيقي هو ما يحاول الجمع بين الاتجاهين من خلال وضع قواعد دينية وأخلاقية يجب علي الفن الالتزام بها ورغم ما يبرزه هذا الاتجاه من رغبة جادة للخروج من الأزمة المتعلقة بعلاقة الفن والدين إلا انه يواجه صعوبات فنية واجتماعية.نور ومهند
مسلسل نور تبني منظومة القيم الغربية التي لا تجد حرجا من تبادل القبلات والأحضان علنا وشرب الخمر وهي دراما غير مألوفة علي الشاشات الصغيرة في العالم العربي لكنه في نفس الوقت لم يتناول هذه المحرمات الدينية بشكل منفر بل اصبغها بشكل رومانسي في إطار علاقة زواج وهو ما شكل اهتمام المشاهدين بالأساس.
والملاحظة الثانية تتعلق بشخصية المواطن العربي ، فالمسلسل سبب حرجا كبيرا للرجل العربي المتهم دائما من جانب المرأة بالديكتاتورية والاهتمام بغرائزه علي حساب عواطفه فمهند رجل وسيم وحنون ويجيد التعبير عن مشاعره ورجل أعمال ناجح وهي صفات مثالية تتمناها اي امرأة.
ويدلل علي ذلك ان الغالبية العظمي من المتابعين للمسلسل من النساء، وهروب الرجال من مشاهدته لما يسببه لهم من حرج لهم وغيرة من تعلق زوجاتهم بالفتي الوسيم الذي يطل علي شاشتهم كل مساء بل ووصل الأمر إلي حدوث حالات طلاق.
وعلي الجانب الآخر، تداعب شخصية نور الشباب العربي لما تظهره من جمال ورقة وإخلاص وتضحية من اجل الحفاظ علي زوجها لكن يمكن القول ان المسلسل بمنظور عربي موجها الي النساء أكثر منه إلي الرجال.
والي جانب ما لاحظناه من جدل حول حرمة مشاهدة المسلسل لأسباب دينية، فإننا لا يجب ان نغفل ان هناك مشكلة بين الرجل والمرأة في العالم العربي يجب ان نتدارسها ،فهل الرجل العربي مقصرا أم انه يعاني من كبت وإرهاق اقتصادي يؤثر بالسلب علي علاقته بالمرأة أم ان المرأة تبالغ في البحث عن أشياء غير ضرورية او مبالغ فيها لا نراها إلا في المسلسلات والأعمال الفنية الاخري.
كما أن القضية تتجاوز مجرد عمل فني ليس عبقريا كما يري المتخصصون وتزيد من مطالبنا القديمة بضرورة إعادة تشكيل هويتنا من الأساس هل نحن "عربيون" ام "غربيون" أم انه يمكننا الحفاظ علي عروبتنا وقيمنا مع الانفتاح علي الغرب في نفس الوقت بما لا يتعارض مع هذه القيم وهو ما نادي به المفكرون والكتاب منذ سنوات عديدة